بعث الله سبحانه وتعالى العديد من الأنبياء والمرسلين على مر التاريخ، ومن بينهم النبي دانيال، أحد أنبياء بني إسرائيل، وتحوي قصة النبي دانيال تفاصيل كثيرة ومعجزات قد منحها الله عز وجل له، تعرف على قصته كاملة فيما يلي.
من هو النبي دانيال؟
كان دانيال (3304 – 3399/ 457- 362 قبل الميلاد) باحثًا يهوديًا ومترجمًا شهيرًا تم نفيه إلى بابل بعد تدمير الهيكل المقدس في القدس، وهو ثاني الأنبياء الكبار في فترة السبي البابلي وكان من عائلة شريفة.
ولد النبي دانيال في أورشليم وكان ضمن السبي الأول الذي حدث في أيام الملك يهوياكين عام 597 قبل الميلاد، وكان ضمن أربعة فتيان اختارهم الملك الذي كان يُدعى “نبوخذنصر” لعائلتهم الشريفة ولحسن مظهرهم وحكمتهم الواسعة وعلمهم الوفير.
خصص الملك للنبي دانيال ومن معه شخصًا يعلمهم اللغة الكلدانية فتعلموها بالفعل في 3 سنوات بعدها ضمهم الملك للبلاط الملكي، قد وصل دانيال والثلاثة الذين معه إلى مراكز عليا في القصر، وأصبح دانيال في المرتبة الثالثة في المملكة بعد الملك وابنه، وأمر الملك نبوخذ نصر بتقديم رعاية خاصة لدانيال ورفاقه الثلاثة وتقديم أفضل الطعام والشراب لهم، إلا أنهم زهدوا عن هذا الطعام وفضلوا أن يأكلوا ما كانوا يتناولونه في أورشليم من حبوب وبقول.
قصة النبي دانيال وتفسير الأحلام
منح الله سبحانه وتعالى النبي دانيال حكمة كبيرة ومقدرة عالية لتفسير الأحلام والرؤى، مثل سيدنا يوسف عليه السلام، وبفضل ذلك تجنب دانيال مرسومًا ملكيًا صدر في عام 3340 (421 قبل الميلاد) لقتل جميع الحكماء في المملكة لفشلهم في مساعدة نبوخذ نصر على تذكر حلم غامض قد شاهده.
إلا أن دانيال تمكن ساعد الملك في تذكر حلمه، وتمكن من تفسيره وقدم له تنبؤًا لافتًا للمستقبل، يصف الممالك المتعاقبة التي ستصعد إلى السلطة وتهيمن على العالم المتحضر، بما في ذلك الإمبراطوريات الفارسية واليونانية والرومانية.
قال دانيال للمك إن السر الذي طلبه لا يقدر الحكماء ولا السحر ولا المجوس ولا المنجمون أن يوضحوه للملك، ولكن يوجد إله في السموات كاشف الأسرار، ثم أخبر دانيال نبوخذ نصر أنه رأى في الحلم تمثالًا عظيمًا منظره هائل رأسه من ذهب وذراعاه من فضة وبطنه وفخذاه من نحاس وساقاه من حديد وقدم من حديد وأخرى من خزف، ثم جاء حجر وضرب التمثال فدمره وأصبح رمادًا تحمله الريح.
بعدما ذكر دانيال الحلم بدأ في تفسيره فأخبر الملك، أن الرأس الذهب هو نبوخذ نصر نفسه وبعده تقوم مملكة أخرى أصغر منه ومملكة ثالثة يرمز لها بالنحاس الذي يلي الفضة والذهب ثم تكون مملكة رابعة من حديد، وفرح الملك بعدما تمكن من تفسير حلمه ورقى دانيال إلى منصب حاكم مقاطعة بابل بأكملها ورئيس الوزراء على جميع حكماء بابل الذين نجوا.
بعد اثنى عشر عامًا (3352، 410 قبل الميلاد) كان لدى نبوخذنصر حلم مزعج آخر، حيث رأى أن شجرة كبيرة جدًا ارتفعت في السماء كثيرًا وأكل من ثمارها الجميع، ثم يصدر صوت من السماء يأمر بقطع الشجرة وترك ساقها، وطلب الملك من دانيال أن يفسره له الحلم، فأخبره أن الشجرة العظيمة تمثله هو حيث زادت عظمته وبلغت السماء وسلطانه وصل لأقصى الأرض إلا أن قضاء الله سيأتي فيأخذ منه المُلك.
لم يصدق الملك تفسير دانيال لكن بعد مرور سنة وعندما كان يسير في قصره أصابه الغرور، قال: “أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها بقوتي وجلالي”، إلا أن صوت من السماء أخبره أن المُلك سيزول عنه ويخرج من بابل وتكون سكناه مع حيوان البر وتمر عليه سبع سنوات حتى يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي بيده كل شيء ويعطي من يشاء وينزع الملك عمن يشاء، وبعدما تمر المدة المحددة لعقابه سيعود لملكه ثانية، وبالفعل تحققت هذه الرؤية.
توفى نبوخذنصر في عام 3364 (397 قبل الميلاد) وخلفه ابنه ميروداخ الذي امتد عهده لمدة 23 عامًا، تبعه الملك بلشاصر الذي اعتلى العرش عام 3387 (374 قبل الميلاد)
قصة النبي دانيال مع الأسود
في فترة حكم بيلشاصر قرر “داريوس” ملك الفرس أن تكون ليلة الهجوم على بابل في يوم الوليمة الكبيرة التي أعدها بيلشاصر، وبالفعل نجح داريوس في مهاجمة بابل والاستيلاء عليها وأخضع جميع مدنها واستتب له الأمر.
كان من المهم لداريوس أن يؤكد سيطرته بسرعة على المملكة الشاسعة، لذلك عين 120 موظفًا لإدارة شؤون العديد من الأراضي تحت سيطرته، وسيتولى مجلس إشرافي مكون من ثلاثة أشخاص، من بينهم دانيال، رئاسة جميع أنشطة الموظفين، وبمرور الوقت أصبح من الواضح بشكل متزايد أن دانيال كان أكثر حكمة من زملائه، ما دفع داريوس إلى النظر في تعيينه على المملكة بأكملها، وعندما علم زملاؤه بذلك تآمروا لإدانة دانيال بالخيانة.
اقترح وزراء وعظماء فارس إلى الملك إصدار مرسومًا بعدم السماح لأي مواطن في المملكة بتوجيه أي طلب إلى أي إله أو إنسان بخلاف الملك لمدة 30 يومًا ومن يُخالف هذا الأمر سيتم إلقاءه في جُب (بئر) الأسود، بدعوى أن ذلك يساعده في ترسيخ السيطرة على الإمبراطورية، وبالفعل وافق الملك على المرسوم.
إلا أن دانيال استمر في صلاته، واستغل أعداؤه ذلك ولم يضيعوا وقتًا وأبلغوا الملك عن صلاته غير القانونية، فأمر داريوس بإلقائه في عرين الأسود، وبالفعل حدث ذلك.
في الصباح ذهب داريوس إلى الجُب الذي تم إلقاء دانيال فيه ليرى ما حل به، فنادى عليه وهو متوقع أنه لن يجد أي رد لأنه يعتقد أن الأسود قد التهمته، فقال بأعلى صوت: “هل إلهك الذي تعبده استطاع أن يُنجيك من الأسود؟” فرد عليه دانيال قائلًا: “إلهي أرسل ملائكة فسد أفواه الأسود ولم يضرني لأني بريء.”
أصدر الملك أمرًا باحترام ديانة النبي دانيال وترك اليهود يعبدون ربهم كما يشاءون، ومنح دانيال منزلة ومكانة كبيرة في بلاط القصر.
دعاء النبي دانيال
شعر دانيال بالجوع عندما كان في جُب الأسود، فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى أحد أنبياء بني إسرائيل (النبي أرمياء) أن يعد طعامًا له رغم أنه كان متواجدًا في الأرض المقدسة، في حين أن النبي دانيال كان في أرض بابل، إلا أن الله عز وجل مكنه من الوصول إليه ويعتبر ذلك معجزة إلهية أيضًا، وعندما وصل أرمياء إلى قمة الجُب أخبر دانيال أن الله هو الذي أرسله إليه، ففرح النبي دانيال أن ربه ذكره، وردد قائلًا:
“الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي يُجيب من دعاه، الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، الحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانًا وبالصبر نجاة، الحمد لله الذي يكشف ضرنا وكربنا،…”
خلف داريوس ملك أخر يُدعى “كيروش” وسمح لليهود بالعودة إلى فلسطين ولكن سن دانيال المتقدم لم تسمح له بالذهاب معهم فاكتفى برؤيتهم يعودون إلى أورشليم وظل هو في بابل يقدم له ملوك فارس الرعاية حتى مات.