تمتلئ الذاكرة المصرية بحكايات توارثتها الأجيال لعلاج بعض الأمراض التي تؤرق المجتمع، غالبيتها مرتبط بتلك العلاقات بين الرجال والنساء، فعلى اتساع الأراضي المصرية ابتكر المصريون آليات لمعرفة المرأة العاقر، وكيفية علاجها، بعضها ربما يرجع لتخاريف قديمة إلا أن تطبيقها مقدس لدى الغالبية من سكان الريف في مصر.
بعض المورثات الشعبية المصرية تميل إلى شيء من الصحة، لكن بعضها بالتقويم القمري أو الشهور العربية، وآخر يقدم تفسيرات غريبة عن تأثيرات قد تحدث للسيدات بفعل بعضهن، من باب المصادفة التي قد تمنع إحداهن من الإنجاب، وهو ما يستدعي تدخل الطب الشعبي، أو حتى الموروث القديم الذي يرجع للعصور الفرعونية الأولى.
ما المقصود بالمشاهرة؟
ليس مقصودا بهذا المصطلح الشهر أو الانتشار ولكن يقصد به ما يمكن أن يقع للمرأة في مراحل معينة من حياتها، قبل مرور الشهر العربي، فهي في الأصل تعود على كلمة شهر، وليس شهرة، وتحدث للنساء سواء كن بنات أم زوجات، فيمكن أن تتعرض للمشاهرة، أو الكبسة التي تحرمها من حلم الأمومة، وتختلف العلاجات المصرية في علاج المشاهرة والوقاية منها.
الجدات في القرى المصرية هن من يعرف أوقات المشاهرة، وينصحن الأجيال الشابة بتجنبها، وتبدأ المشاهرة في حياة المرأة بعد ساعة واحدة من الدخول بها، فيجب عليها ألا تتعرض لأنواع معينة من النساء أو الرجال، حتى لا تحدث المشاهرة.
متى تصاب النساء بالمشاهرة؟
المشاهرة لا تقع من كل النساء لبعضهن، لكنها شيء روحي يمكن أن تصاب به السيدة حديثة الزواج، إذا ما التقت في طريقها بامرأة حائض، أو نفساء، لذا يحرص الزوج وأسرته على عدم تعرض امرأته للنساء حتى يهل الشهر العربي.
مرة أخرى تحدث المشاهرة للسيدات بعد الولادة، وهذه المرة قد يقع الأمر من الرجال فلا يجب أن يدخل الرجل الذي حلق لحيتة للتو على المرأة بعد الولادة، حتى يقوم بالاغتسال، ووفقا للمعتقد لا يجب الدخول عليها ببضائع من السوق، لاسيما إذا كان بين البضاعة لحم نيئ.
وتشير بعض المراجع التاريخية وفقا لما ذكره تقرير نشرته مجلة الثقافة العربية، أن المشاهرة قد تقع للسيدات من القادمين من السوق، أو المرأة التي تلبس حلي من الذهب في يدها أو رقبتها، كما أنه يمكن أن تقع المشاهرة بين العروس الجديد والأطفال الذكور المختونون ولم يهل عليهم الشهر العربي.
أسالبيب التعافي من المعقم في الريف المصري
ثعبان لعلاج المشاهرة
يختلف العلاج من منطقة لمنطقة في مصر، إلا أن الجميع يتفقون في الإيمان بتأثير المشاهرة على النساء، وتسببها في تأخر الإنجاب، ففي قرى محافظة البحيرة يستخدم الريفيون الثعابين لنجاة نسائهم من المشاهرة، وذلك بأن يحضر بعض الصيادين المهرة ثعبانا من إحدى الترع النيلية، أو الحقول، ويقول حاوي أو مزارع خبير بهذا الأمر بخلع أسنان الثعبان حتى لا يتمكن من اللدغ، ويحاولن تخويف السيدة من الثعبان، حتى أن الروايات المتوارثة تشير إلى أن السيدة بعد صراخها وفرارها من أمام الثعبان تنجب، وبحسب المعتقد هذا العلاج مجرب ويأتي بنتائج.
الرعب طريقة علاج
أما في محافظة الشرقية بعد استطلاع رأي بعض سكانها يكون التخويف بأساليب مبتكرة وأكثر رعبا، فبحسب محمد عمر، يعهد في هذا الحالة بالسيدة التي منعت من الإنجاب وليس معلوما سبب طبي لتأخر الحمل، بالركوب على كف إحدى الحفارات الكبيرة «الكراكة» والتي تأتي للقرى لتطهير الترع والمصارف، ويحاول السائق تطويح يد الحفار بالسيدة على سطح الماء مرات حتى يتملكها الفزع خشية السقوط في المياه العميقة، وبهذه «الخضة» تنجو من شرور المشاهرة.
وفي الشرقية أيضا يلجأ البعض لطريقة جديدة يعتقدن أن لها مفعول السحر في معالجة العقم، وهي أن تستلقي السيدة أمام القطار، وما أن يقترب منها تنهض سريعًا.
حجاب معقود
بعض البيئات الريفية في قرى مصر تصنع حجابا مخصصا للوقاية من المشاهرة مخافة أن يدخل من يتسبب في المشاهرة على المرأة وذلك من خلال إحضار قطعة من جريد النخل الأخضر، وتصنع فيها 3 أو 5 علامات بآلة حادة، وتعلق في رقبة من تخشي المشاهرة سواء كانت امرأة متزوجة حديثا، او وضعت مولودها للتو، وفي غرة الشهر العربي، تخلع السيدة عنها حجاباها الجريد وتلقيه ناحية الهلال وتقول «يا شهر جديد خد مشاهرتي الجريد، يجعلك بخيت علينا وظلامك تحت رجلينا ونورك جوه عنينا».
وفي بعض الأحيان يتم عمل الحجاب من خلال ربط خيط معقود 7 عقدات في يد المرأة بعد الولادة أو بعد الزواج، ومن شدة ارتباط بعض الريفيون بقرى محافظة البحيرة بهذه العادات يصنعونها للماشية بعد الولادة، حتى لا يؤثر الأمر عليها إذا ما قابلت امرأة ترتدى ذهبا في الطريق، أو نزلت عليها دماء الدورة الشهرية.
الشهر العربي شفاء
اعتقد الريفيون، أن رؤية الشهر العربي تقى من المشاهرة، لذا كانوا يحرصون على عقد الزيجات في نهاية الشهر العربي، وكذلك عمليات الختان التي تجرى للذكور والإناث، حتى يطل الشهر الجديد بسرعة، وتتجنب النساء المشاهرة التي تقع عادة بسبب الحسد.
دخول المرأة
في قرى الدلتا تنتشر فكرة المشاهرة بشكل واسع، وتلجأ النساء لحيلة أخرى لتجنب المشاهرة، وهي عدم استقبال السيدات حديثي الولادة أو الزواج للقادمين على منزلها، وذلك بأن يسمح للضيف المتوقع حدوث المشاهرة منه دخول البيت بشرط عدم مشاهدة المرأة، ثم تخرج هي للسلام على الضيف، وذلك لاعتقال أن المشاهرة تحدث أثناء دخول الضيف، وليس بمجرد اللقاء.
تراب المقابر وتخطى العتبة
تشكل المقابر وأحداث الموت بشكل عام ميراثا مهما في الحياة المصرية سواء في الماضي أو الحاضر، فمازال ملايين المصريين يقصدونها أيام الخميس والجمعة وفي الأعياد لزيارة موتاهم وقراءة القرآن هناك، حتى أن المقابر قد تكون دواء من المشاهرة، فعندما يتأخر الإنجاب، تلجأ النساء لعدة أمور تتعلق الموتى أولها «المفارق» وهي عادة متوارثة مُنذ سنوات طويلة بين نساء الصعيد تدفع المرأة إلى زيارة المقابر، والتى تصل أحيانا إلى فتح قبر أحد المتوفين حديثا حيث تنبعث الروائح الكريهة، فتصاب المرأة بالرعب، على اعتقاد أن هذا يعالج تأخر الإنجاب.
وفي قرى أخرى تلجأ النساء إلى التراب الموجود على مداخل المدافن، وتأخذ جزء منه للاستحمام به، أو استخدامه كبخور يوضع على مناطق من جسدها ثم تستحم ومن خلاله تفك المشاهرة.
أما فكرة تخطية العتبة ففيها تخطى السيدة التي ترغب في الإنجاب فوق خشبة الغسل التي يغسل فوقها الميت، وإن لم تعثر ذلك فتمر فوق الصابون المستخدم أو الليف الذي يستخدمه الشخص المغسل لتجهيز الميت لرحلة الأخيرة إلى القبر.
الثوم لكشف العاقر
في إحدى حلقات برنامجه المتخصص في سرد حكايات من البرديات المصرية القديمة، يذكر الدكتور وسيم السيسي، حكاية عجيبة ابتكرها الأطباء المصريون القدماء، لمعرفة ما إن كانت المرأة التي تأخرت في الحمل عاقر، أم التأخر مجرد نصيب وسيحدث الحمل قريبا.
السيسي ينقل ما ذكر في بردية كاهون في طب النساء، والتي تنص على أن الطبيب المصري القديم كان يلجأ لنبات الثوم ذو الرائحة النفاذة، بحيث تستخدمه السيدات كأقعم مهبلية بعد تقطيعه لشرائح، وتنتشر روائح الثوم في جسد السيدة، ويأتي الطبيب بعد 8 ساعات ليكتشف ما بها.
بعد دخول الثوم للمهبل تنطلق روائحه لعنق الرحم، ومنها للتجويف البريتوني ومنه للدورة الدموية، ومنه إلى رائحة النفس، ويعلم الطبيب إذا حدث ذلك أن السيدة سليمة وأن قنواتها المهبلية جاهزة للتخصيب، وإذا كان العكس فإن السيدة مصابة بعقم.