تخطى إلى المحتوى

خطبة عن المولد النبوي الشريف مكتوبة وكيف نحتفل به؟

يعتلي الخطباء المنابر في ذكرى ميلاد سيد الخلق وآخر الأنبياء والمرسلين لإلقاء خطبة عن المولد النبوي الشريف ليتعلم منها المسلمون خصال النبي الكريم ويقتدون به فيما ورد عنه- صلى الله عليه وسلم- وليتعرفوا على سيرته وكيف نحتفل بهذه المناسبة.

وكتب بعض الأئمة خطبة جمعة عن المولد النبوي ننقلها لكم لنشرها بين الأجيال القادمة والحالية للتعريف بالنبي الكريم عبر منابر المساجد.

خطبة عن مولد النبي

بسم الله والحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العلي العظيم وطاعته.

أيها المسلمون.. يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).

عباد الرحمن: تعيش أمة الإسلام هذه الأيام ذكرى مولد النبي الكريم، فميلاده ميلاد أمة وفجر جديد سطع على البشرية ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، نعم تعيش أمتنا هذه الذكرى وهي تعيش هذه الأيام ظروفًا صعبة في ظاهرها، ولكنها تحمل في طياتها الخير الكثير لمستقبل الإسلام والمسلمين وللبشرية جمعاء.

يا عباد الله: تعيش أمتنا هذه الذكرى وهي تعيش حالة مخاض عسير لتلد لنا عن قريب فجرًا وجيلاً جديدًا يحمل هذه الرسالة الخالدة التي جاء بها نبينا محمد للبشرية، فنسأل الله- عز وجل- أن يكون هذا المولود هم رجاله- صلى الله عليه وسلم- يعيدون لهذه الأمة مجدها ويحررون مقدساتها ويردون لها كرامتها التي سُلبت على يدي أعدائها وعملائهم من المسلمين.

ونسأل الله- جل وعلا- أن يكون هذا المولود كاملاً لا معاقًا، حصيفًا لا جاهلاً، يعود بالأمة إلى المدنية الغربية المنحلة أخلاقيًّا وسلوكيًّا، ويدعو إلى الحرية والديمقراطية التي يريدها الغرب ويدعو إليها وهي الانحلال من الأخلاق والقيم الإسلامية والإنسانية.

نعم عباد الله: إن أردنا النهوض بأنفسنا وبهذه الأمة فعلينا أن نتبع سنة رسول الله وأن نحيي ذكرى ميلاده بمعرفة ما له من حقوق علينا وأن نؤدي ونتبع ونتتبع هذه الحقوق ونطبقها كما أرادها الله ورسوله العظيم، وأن نقرأ سيرة السلف كيف طبقوا محبته صلى الله علية وسلم قولاً وعملاً وعقيدة.

يا عباد الله.. لرسول الله علينا حقوق وواجبات كثيرة من بينها: أن نحبه أكثر من أنفسنا وأهلينا والناس أجمعين، قال عليه السلام: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، أي لا يكتمل ولا يصح إيمان الإنسان إلا بهذا القدر من الحب.

اقرأ:  كلمات تصبير لمن فقد عزيز

يقول سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- للرسول- صلى الله عليه وسلم: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من كل شيء حتى من نفسك”، ففكر عمر مليًّا ثم جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: “يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي” فقال له النبي: “الآن يا عمر”، أي الآن كمل إيمانك.

كيف لا والله عز وجل يقول: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أي النبي أولى بالمحبة من نفسك التي بين جنبيك النبي يدعوك إلى الجنة والنجاة من النار ونفسك تدعوك إلى النار (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم)، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار”.

والله حذر عباده من أن يقدموا حب الآباء والأبناء على حب الله ورسوله: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

نعم عباد الله: نحن قدمنا حب الدنيا على حب الله ورسوله حب الأموال والأولاد والعشيرة والتجارة على حب الله والرسول والجهاد في سبيل الله، فتعالوا معنا عباد الله إلى صور حية عاشها الصحابة فطبقوا من خلالها هذه المحبة عملاً وإيمانًا وعقيدة وسلوكًا وأخلاقًا.

فها هو أبو بكر رضي الله عنه عندما سمع النبي عليه السلام يودع أمته على المنبر يقول لهم: “إن الله عز وجل خيَّر عبدًا ما بين أن يُخلّد في الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله”، فبكى أبو بكر بكاء شديدًا فقال: “نفديك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله”، فعرف أن رسول الله سيغادر هذه الدنيا.

عروه بن مسعود ممثل الكفار في صلح الحديبية حاول أن يلمس لحية النبي عليه السلام وهو يتكلم معه، فضرب الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة يده بنصل السيف، وقال له: “أخِّر يدك عن رسول الله وإلا لا ترجع إليك”.

فلما رجع عروة بن مسعود إلى الكفار قال لهم: “والله يا قوم لقد وفدت على الملوك والأمراء وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكًا قط يعظّمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمدًا، والله ما يتنخم النخامة إلا وقعت في كفّ رجل منهم، فدلك وجهه وجلده، وإن أمرهم نفذوا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على فضل وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدّون النظر إليه؛ تعظيمًا له”, نعم إنها شهادة من أعداء الله وأعدائه لصحابته على حبهم لنبيهم.

اقرأ:  ماتش الأهلي والزمالك الساعة كم اليوم السبت 21 يناير وعلى قناة ايه؟

أحد الصحابة أخذه كفار مكة وعذبوه عذابًا شديدًا، وقالوا له وهو تحت التعذيب: أتحب أن محمدًا مكانك وأنت سالم معافى في أهلك ومالك، فصاح فيهم وقال: “والله ما أحب أني في أهلي ومالي وولدي معافى ويصاب رسول الله بشوكة”، وراح ينشد الشاعر فيه: سألوه هل يرضيك أنك سالم، ولك النبي فدى من الإتلاف، فأجاب كلا لا سلمت من الردى، ويصاب أنف محمد برعاف، ويقول أبو سفيان عندما سمع ذلك: “والله ما رأيت أحدًا يحب أحدًا كما يحب أصحاب محمد محمدًا.

عباد الرحمن: محبة النبي تكون باتباعه ومحبته توجب الجنة ورفقته فيها، ولكن كما أسلفنا محبته العملية والعقدية والحقيقية هي التي توجب ذلك، لا كما قالت اليهود والنصارى في إبراهيم: قالت اليهود إبراهيم عليه السلام منا، وقالت النصارى إبراهيم منا فكذّبهم الله فقال الله: (ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا) ثم قال إبراهيم: (فمن تبعني فإنه مني).

عباد الله: إن أولى الناس بمحمد عليه السلام هم الذين اتبعوه وتمسكوا بسنته، أما الذين يدّعون محبة النبي ويخالفون سنته ومنهجه، فهؤلاء على بعد من الصدق، إن أولى الناس بشفاعة الرسول هم أهل سنته، إن أولى الناس بحوض النبي أكثرهم عليه صلاة، وإن أولى الناس بصحبته في الجنة هم محبوه.

قال أبو ذر رضي الله عنه: “يا رسول الله! الرجل يحب القوم، ولا يستطيع أن يعمل بعملهم” فقال عليه السلام: “فإنك مع من أحببت يا أبا ذر”، فقال أبو ذر: فإني أحب الله ورسوله، فقال عليه السلام: “فإنك مع من أحببت”، فأعادها أبو ذر ثلاثًا، وأعادها الرسول عليه السلام كذلك, نعم دخلت محبة أشخاص مكان محبة رسول الله فعظمناهم، وأصبحوا شغلنا الشاغل من مطربين ولاعبين وممثلين وهواه للباطل وقادة وطواغيت لا يحكمون بما أنزل الله فالمرء مع من أحب يوم القيامة.

ثانيا: ومن حق النبي عليه السلام وواجبه علينا عباد الله: أن نتأدب معه عليه السلام في حياته ومع سنته بعد وفاته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، أي لا تعترضوا على الله ورسوله لا في أنفسكم ولا في أمور دينكم ودنياكم، ولا تقولوا في قضية حتى يقول فيها الرسول عليه السلام فكان أناس يقولون لو أنزل في كذا وكذا – فكره – الله ورسوله هذا الكلام ولقد تأدب أصحاب النبي بهذا الأدب مع الله ورسوله، فما عاد أحد منهم يقترح على الله ورسوله فما عاد قائل يقول قبل أن يقول الله ورسوله، بل إنهم من شدة تأدبهم مع الله ورسوله أمسكوا عن الإجابة وهم يعلمونها خشية أن يكون في الإجابة تقديم بين يدي الله ورسوله.

اقرأ:  التحويلات بين المدارس تنتهي.. في هذا الموعد

فعندما خطب النبي عليه السلام خطبة الوداع في حجة الوداع فكان من خطبته: “أي يوم هذا”؟ وهم يعلمون أنه يوم النحر ورسول الله يعلم، ثم قال: “أي شهر هذا”؟ وهم يعلمون أنه شهر ذي الحجة ثم قال: “أي بلد هذا”، وهم يعلمون أنه البلد الحرام ومع هذا قالوا: الله ورسوله أعلم؛ تأدبًا مع رسول الله.

فأين نحن من هذا التأدب وهذه المحبة وهذا الوقار لرسول الله، أصبحنا نعظم كلام الناس وكلام القادة والشعراء والعلماء أكثر من تعظيمنا لكلام رسول ونقف عند كلامهم بالتفسير والتحليل والوقار والهيبة فإن دل على شيء دل على ضعف إيماننا وعقولنا فلم نعد نفرق بين كلام الوحي وكلام البشر، وأصبحنا نتجرأ على سنة الرسول بالرد والإنكار والتضعيف والاستغراب.

ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا استأذن امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها” فقال بلال بن عبد الله: “والله لنمنعهن منه” فنهره عبد الله بن عمر نهرًا شديدًا، وقال: “أخبرك عن رسول الله وتقول والله لنمنعهن”.

ابن عباس أفتى بجواز التمتع بالعمرة إلى الحج عن رسول الله قالوا: لكن أبو بكر وعمر يقولان خلاف ذلك، فغضب غضبًا شديدًا، وقال: “يوشك أن ترجموا بحجارة من السماء، أقول قال رسول الله وتقولون أبو بكر وعمر يقولان خلاف ذلك”، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

عباد الله: نحن تركنا سنة رسول الله وتمسكنا بالبدع وبما تمليه علينا أهواؤنا وشهواتنا ورغباتنا وقدمنا رضا الناس على رضا الله ورسوله فلا عزة للفرد ولا للأسرة ولا للأمة إلا باتباع نهج وسنة رسول الله، وتقديم ذلك على كل هوى أو نزعة, فمثلاً في صلح الحديبية فلما التئم الأمر ولم يبق إلا الكتاب غضب عمر رضي الله عنه عندما أحس بأن الصلح فيه إجحاف لحق المسلمين فوثب عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى؛ قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى؛ قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر، الزم غرزه، فأني أشهد أنه رسول الله؛ قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله،

ثالثا: ومن حقه عليه السلام أن نكثر من الصلاة عليه انسجامًا مع قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقوله عليه السلام: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا” رواه مسلم وقوله: “إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة”، وقوله: “البخيل من ذُكرت عنده ولم يصل عليّ”.

​​​​​​​

اترك تعليقاً