من خلال مقارنة السلوك الذي اتخذته أمريكا وحلفاؤها الغربيون مع كلٍّ من الحرب الروسية الأوكرانية، وحرب العدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزة، ظهر جليًا لبلدان العالم تلاعب تلك الدول بالقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبالقيم الإنسانية، وأن هذا التلاعب ينبع وفقًا لمصالح وأيديولوچيات تلك الدول، ووفقًا لتاريخها الاستعماري، وبسبب هيمنتها وتحكمها في المؤسسات الدولية، بما فيها مجلس الأمن والأمم المتحدة والمحاكم الدولية. وقد جاءت حرب غزة التي تدور رحاها منذ السابع من أكتوبر الماضي 2023 لتكشف بمآسيها وفظائعها زيفَ أمريكا والغرب اللذين يتشدقان ليل نهار بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان، وتعاملهم مع القانون الدولي ومع أزمات ومشكلات الدول بمعايير مزدوجة، واتباع سياسة الكيل بمكيالين في تعاملهم مع حربَي أوكرانيا وغزة. فمنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية سارعت أمريكا ودول الغرب في التنكيل بروسيا وإصدار القوانين الجائرة ضدها بما فيها فرض العقوبات غير المسبوقة عليها، ومعاداة الدول التي لم تُدِن الغزو الروسي، ناهيك عن إصدار محكمة الجنايات الدولية (بقوة أمريكا والغرب) مذكرةَ توقيف ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدد من القيادات الروسية البارزة. إضافة إلى قيام أمريكا والغرب بمدِّ أوكرانيا بترسانة من الأسلحة المتطورة، وتدريبهم للقوات الأوكرانية على استخدام الأسلحة الجديدة، وتطوُّع عدد كبير من شباب أمريكا ودول الغرب للعمل مع الجيش الأوكراني، وتجييشهم الإعلامي للتنكيل بروسيا.. هذا من جهة. ومن جهة أخرى: تقديم أمريكا والغرب المساعدات المادية والدعم اللوجستي المتواصل للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، واستقبال اللاجئين الأوكرانيين استقبالًا حافلًا في أمريكا والدول الغربية، ومنحهم الإقامة وكافة المساعدات المادية اللازمة لهم، وقيام بعض الدول الغربية (وعلى رأسها فرنسا) بتوقيع اتفاقات أمنية مشتركة مع أوكرانيا، وكل تلك الأفعال المنافية للقانون الدولي من أجل مصالح أمريكا والغرب، وسعيهم لهزيمة روسيا والعمل على إضعافها وتطويقها برؤوس الصواريخ النووية لحلف الناتو، ومن ثمّ توريطهم لأوكرانيا في تلك الحرب. وبالمقابل فإن حرب الإبادة الجماعية المتواصلة التي ترتكبها إسرائيل ضد قطاع غزة ظهر جليًا فيها تورط أمريكا والغرب، بسبب إعطائهم الضوء الأخضر لإسرائيل ولما ارتكبته من جرائم بحجة دفاع إسرائيل عن النفس، وموافقتهم على كل الجرائم والمخططات الصهيونية التي ينفذها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومتطرفوه ومستوطنوه، بعد تدمير الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة بشكل كلي، وقتله أكثر من ٣٠ ألف مدني من النساء والأطفال والشيوخ، وإصابة أكثر من ثمانين ألف فلسطيني، وبترصد قوات الاحتلال الإسرائيلي العمل على تجويع وتهجير أبناء غزة، ومنع تقديم المساعدات الإنسانية الضرورية لهم. ما يؤكد على تورط أمريكا والغرب في تلك الحرب، فلم تعُد معها للقيم الإنسانية واحترام حقوق الإنسان أيُّ قيمة، وذلك بعد أن أصبحتِ الحياة الإنسانية للفلسطينيين، والحفاظ على أرواحهم وحقوقهم في الحياة بلا قيمة عند تلك الدول. ففي الحرب الأوكرانية كان الكل يدين روسيا، أما الآن فلقد لزم كل من أمريكا ودول الغرب الصمت عن جرائم إسرائيل، وأيَّدوا عدوانها الجائر على غزة، وساندوا إسرائيل بالمساعدات العسكرية والمادية، ما يثبت تورط أيديهما الغادرة وولوغهما في دماء الفلسطينيين. ولم يتوقفِ الأمر عند هذا الحد، وذلك بعد أن عملت أمريكا وحلفاؤها الغربيون على التصدي لكل القرارات الدولية والأممية التي تدعو لوقف الحرب عن طريق الڤيتو الأمريكي اللعين، هذا الڤيتو الذي ظل عبر تاريخ القضية الفلسطينية صدًّا منيعًا لمنع أي قرار يتعلق بإدانة إسرائيل، أو بتنفيذ القرارات المتعلقة بحقوق الفلسطينيين وإقامة دولتهم. أما الآن وخلال حرب غزة فإن أمريكا تقف بالمرصاد لمنع أي قرار دولي يتعلق بوقف المجزرة الإسرائيلية، وبعرقلة قرارات مجلس الأمن، وبالتالي خذلان شعوب العالم الحر التي تقف عاجزة عن فعل شيء لوقف تلك الحرب، ما يثبت تحكم أمريكا وحلفائها الغربيين في القانون الدولي، واتباع ازدواجية المعايير من أجل نصرة إسرائيل التي زرعوها في المنطقة منذ أكثر من قرن. فهل يتمكن العالم مجتمِعًا من تغيير منظومة مجلس الأمن، وإلغاء الڤيتو اللعين لعزل أمريكا وحلفائها المتلاعبين بالقانون الدولي والظالمين للدول؟ أم بعقاب إسرائيل ومقاطعتها كليًّا وعزلها عن العالم؟ هذا العالم الساعي للأمان والسلام.