حُسن الخلق يحقق السعادة لصاحبه، لأنه ينال رضا الله سبحانه وتعالى وحب الناس، لذلك أمرنا الدين الحنيف بالتحلي بالأخلاق الحسنة والحميدة، ونُعد بحث بعنوان حسن الخلق وأثره في التعامل الإنساني بهدف التأكيد على فضل حسن الخلق وبيان أهميته والتأكيد وأن التحلي به فيه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
معنى حسن الخلق
حسن الخلق هو الأفعال الجميلة التي تصدر عن الفرد، كطيب الكلمة ورد الإساءة بالحسنة وطلاقة الوجه وكف الأذى والتودد للناس والإشفاق عليهم وتحملهم والصبر عليهم في الشدائد وترك الكبر وتجنب الغلظة والغضب.
هناك تعريف أشمل لا يقصر حسن الخلق على المعاملات بين الناس فقط، بل يأخذه لما هو أوسع ليشمل أيضًا العلاقة بين العبد وربه، فيكون العبد منشرح الصدر بأوامر الله سبحانه وتعالى ويتجنب ما نهى عنه وهو راضي غير متضجر، ويترك من المباح لوجه الله تعالى وهو فرح بذلك.
آيات قرآنية وأحاديث عن حسن الخلق
يجب على كل مسلم أن يتحلى بحسن الخلق لأن في ذلك التزامًا بالقرآن والسنة، حيث وردت آيات قرآنية وأحاديث شريفة كثيرة عن حسن الخلق، نوضحها بعضها فيما يلي:
-
(وإنك لعلى خُلق عظيم) (سورة القلم، الآية 4)
-
(وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانًا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حُسنًا وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلًا منكم وأنتم معرضون) (سورة البقرة، الآية 83)
-
(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هى أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) (سورة فصلت، الآية 34)
-
عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخُلق حسن)
-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا، وخياركم خيارُكم لنسائهم خلقًا)
-
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن المؤمن ليُدرك بحُسن خُلُقه درجة الصائم القائم)
-
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز أن قال: (أحسن خُلقك للناس يا معاذ بن جبل)
فضل حسن الخلق
المسلم الذي يتحلى بحسن الخلق سوف ينال أجرًا عظيمًا، لأن الأخلاق الحميدة لها فضل كبير في الدنيا والأخرة، ونُلخص فضل حسن الخلق في الإسلام في النقاط التالية:
- نيل حب الرسول والقرب منه يوم القيامة
الأخلاق الحسنة لا تُكسب الشخص محبة الناس فقط، بل تمنحهم ما هو أسمى من ذلك وهى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والقرب منه يوم القيامة، حيث ورد عن أبي ثعلبة الخشني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة محاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة مساويكم أخلاقا، الثرثارون المتفيهقون المتشدقون)
عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم خلقًا)
- منزلة عظيمة وبلوغ للجنة
حسن الخلق يجعل صاحبه ينعم بمنزلة عظيمة، والدليل على ذلك ما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس شئ أثقل في الميزان من حسن الخلق)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأعظم ما يدخل الناس الجنة تقوى الله، وحسن الخلق)
- نيل رضا ومحبة الله عز وجل
إدراك محبة الله سبحانه وتعالى ورضوانه هو غاية كل مسلم، والتحلي بالأخلاق الحسنة يساعد في إدراك تلك الغاية وتحقيقها، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى جميل يحب الجمال، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها)
عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: (كن جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله؟ قال: “أحسنهم أخلاقًا”)
- كمال الإيمان وأعلى الدرجات
إيمان المسلم يكتمل بالخلق الحسن، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقًا)
الجنيد أبو القاسم، أحد علماء المسلمين، قال: (أربع ترفع العبد إلى أعلى الدرجات وإن قل عمله وعِلمُه: الحلم والتواضع والسخاء وحسن الخُلق، وهو كمال الإيمان)
- امتثال لأمر الله وطاعة لرسوله
أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالتحلي بمكارم الأخلاق والأخذ بها، وقد قال عز وجل في كتابه العزيز: (خُذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) (الأعراف، 199)
عن أبو ذر ومعاذ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وخالق الناس بخلق حسن)
أهمية حسن الخلق
حسن الخلق يجعل المسلم يرفع منزلة المسلم يوم القيامة، كما بيًنا في الأعلى، لكن أهميته لا تقتصر على الدار الأخرة فقط بل تظهر أيضًا في الحياة الدنيا فهو له أثر إيجابي في التعامل الإنساني، ويمكن توضيح أهمية حسن الخلق فيما يلي:
- كسب القلوب: حسن الخلق يُكسب صاحبه قلوب الناس ومحبتهم، ويجعل البعيد قريبًا والعدو صديقًا والبغيض حبيبًا.
- تيسير الأمور في الدنيا، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسرًا) (الطلاق: 4)
- زيادة العلم: الخلق الحسن يزيد من صفاء القلب واطمئنان النفس، وبالتالي يتمكن الشخص من معرفة العلوم التي يرغب في دراستها والمعارف التي يسعى إلى الإلمام بها، كما أن صاحب حسن الخلق يتحلى بالتأدب في مجالس العلم، ما يزيد من علمه ويحسن إدراكه.
- تماسك المجتمع: الأخلاق الحسنة إذا سادت في مجتمع ما جلبت له الألفة والمودة بين أبنائه، لأن صاحب الخلق الحسن يعرف حقوقه وواجباته، وهذا يؤدي بالضرورة إلى شدة الارتباط والوئام بين الناس.
- تحقيق الأمان والطمأنينة للمجتمع كله: التحلي بحسن الخلق يجعل كل شخص يعامل الآخرين معاملة حسنة، فيحنو الكبير على الصغير والغني على الفقير، ليصبح المجتمع كله جسد واحد ما يحقق الأمان والطمأنينة لجميع أبنائه.
أخلاق النبوة
التحلي بحسن الخلق فيه اقتداء بخير البرية وأحسنها خلقًا، وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فكان خُلقه القرآن، يحكم بين الناس بالعدل، ولا يسأل شيئًا إلا أعطاه، وكان أشد الناس تواضعًا، يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين لا يجفو على أحد ويقبل معذرة المعتذر إليه، ولم يكن فظًا ولا غليظًا، ولا يُجازي السيئة بالسيئة بل كل كان يعفو ويصفح.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيته يعكس حسن خلقه أيضًا، فقد كان رضي الله عنه يخصف النعل ويرقع الثوب ويخدم في مهنة أهله ويقطع اللحم معهن، ويساعدهن في أعمال المنزل، ولم يضرب امرأة أبدًا ولا حتى خادمًا.
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شئ قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شئ من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى”
حسن الخُلق يجلب الخير في الدنيا والأخرة، وفيه اقتداء بأشرف الخلق محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، لذلك يجب على كل مسلم عاقل أن يتحلى بالأخلاق الحميدة أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى ينعم في الدنيا والأخرة.