نظمت سفارة تركيا بالقاهرة، ندوة تاريخية ثقافية حول التراث الثقافي التركي في مصر، تحت رعاية سفير تركيا بالقاهرة، صالح موطلو شن، وحاضر فيها الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام الأسبق لمنظمة التعاون الإسلامي، بمشاركة العديد من المثقفين والأكاديميين والصحفيين المصريين.
• العلاقات بين مصر وتركيا حتمية
في بداية حديثه، أعرب الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين الأسبق لمنظمة التعاون الإسلامي، ومؤلف كتاب “الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي”، عن سعادته بعودة العلاقات المصرية التركية بعد انقطاع دام عدة سنوات، مشيرا إلى محبته الشديدة لمصر، التي عاش فيها حتى أنهى تعليمه الجامعي، قائلا: “اليوم جئت إلى مصر بعد 60 عاما من وجودي فيها”.
وقال، إن “الحديث عن مصر حديث محبة على قلبي نظرا لأن العلاقات بين البلدين حتمية، ولطالما كانت دائما علاقاتنا (مصر وتركيا) لها مناحي استراتيجية عديدة”.
ولفت إلى أن طالما أحب الأتراك مصر وتواجدوا فيها، حيث “جاء الأتراك هنا في مصر قبل أن يذهبوا إلى آسيا الوسطى”.
• الثقافة التركية خلال الفترة العثمانية
وبعدها، ألقى الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، محاضرة في سياق كتابه “الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي”، التي صدرت نسخته العربية عن دار ، والذي كتبه بجهد وعناية كبيرة.
وأضاف أن الكتاب، الذي كتب مقدمته رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان، هو نتاج أكثر من أربعين عاما من العمل؛ ويلفت الانتباه إلى أن الثقافة التركية خلال الفترة العثمانية لم تكن منتشرة قبل وصول محمد علي باشا إلى الحكم في مصر، كما يحاول أن يوضح كيف اكتسبت الثقافة واللغة التركية العثمانية كثافة وانتشارًا في مصر مقارنة بالفترة السابقة، نتيجة الاهتمام الكبير وسياسات الابتكار التي اتبعها محمد علي باشا، المحب الكبير لمصر ومؤسس مصر الحديثة.
كما يكشف الكتاب أيضًا كيف تشكلت النسخة «العثمانية المصرية» نتيجة هذا التطور الثقافي الذي اتخذ من إسطنبول في البداية نموذجًا في مصر، وكيف ظلت منتجات وتأثيرات هذه الثقافة قائمة حتى يومنا هذا.
تم تبني الثقافة التركية العثمانية في مصر من قبل صفوة من السكان المحليين الناطقين بالعربية، فضلا عن المتحدثين باللغة التركية القادمين من خارج مصر، وذلك بفضل المدارس الجديدة التي تم إنشاؤها والعدد الكبير من الكتب التركية التي أنتجتها المطبعة (مطبعة بولاق)، بجهود كبيرة من محمد علي باشا وأسرته الكبيرة الحاكمة، وأدى ذلك إلى ظهور الوجه الثقافي “المصري العثماني” إلى جانب الوجه الثقافي “التركي العثماني” في مصر.
يعد هذا المُؤَلَف، الذي يبحث في الوجود الثقافي التركي الذي تطور مع الأتراك الذين يعيشون في مصر والمؤلفات المكتوبة وآثار هذه الثقافة التي بقيت حتى يومنا هذا، هو الأول من نوعه في هذا المجال فيما يتعلق بـ”الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي”.
• فيلم وثائقي عن الأميرة قدرية
في نهاية الندوة، تم عرض فيلم وثائقي بعنوان “قدرية”، يتناول الأميرة المصرية “قدرية بنت السلطان حسين كامل”، والذي كتب نصه سفير تركيا بالقاهرة صالح موطلو شن.
ومن جانبه، أشار السفير التركي إلى وجود العديد من الجوانب المشتركة بين مصر وتركيا، إلى جانب شخصيات تاريخية مصرية تركية أحدثت تأثيرا كبيرا على مدار التاريخ المشترك بين البلدين.
وتابع أن ذكرى الأميرة “قدرية” ومساهماتها في مصر وتركيا والمجتمعات التركية والمصرية كادت أن تُنسى، إلا أن هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي” هو الذي أعاد تلك الذكرى والمساهمات إلى النور مرة أخرى.
• تركيا تدعم ترشيح خالد العناني مديرا عاما لليونسكو
وحول التعاون الثقافي بين مصر وتركيا، أشار سفير تركيا بالقاهرة، إلى أهمية منظمة اليونسكو في الحفاظ على التراث العالمي، لافتا إلى التراث الكبير الذي تزخر به مصر.
ولفت إلى أن هناك دورا كبيرا تلعبه مصر وتركيا في منظمة اليونسكو من أجل الحفاظ على التراث الثقافي والحضاري، لافتا إلى أنه لطالما ساندت تركيا، مصر، ودعمت خطواتها.
وثمن الاختيار المصري وترشيح مصر للدكتور خالد العناني لمنصب مدير عام اليونسكو، معلنا أن تركيا سوف تدعم العناني في ترشيحه لمنصب مدير عام اليونسكو، “مثلما ستقف خلفه كل الدول العربية، في صورة تظهر الوحدة والتعاون والدعم”.
• الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي
يتألف الكتاب، الذي نشره الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو عام 2006 تحت عنوان “الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي”، من ثلاثة أقسام رئيسية: الأتراك في مصر وثقافتهم، ونشر الكتب التركية في مصر، وببليوغرافيا الثقافة التركية المطبوعة في مصر.
ولد أكمل الدين في مصر وعاش في مصر حتى أنهى تعليمه الجامعي، وبدأ عمله الأول في أوائل الستينيات وتمكن من إكمال كتابه نتيجة لأبحاثه في بلدان مختلفة على مدى 40 عامًا.
والكتاب يعتبر مصدرا مباشرا للذين يجرون أبحاثًا حول التاريخ التركي والأدب واللغة والموسيقى والكتب والطباعة والصحافة والخدمة العسكرية والثقافة والسياسة وتاريخ الترجمة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
ومن مواضيع الجزء الأول من الكتاب، القسم الأول وهو قسم الشاعرات والكاتبات اللاتي نشأن في القصر ومحيطه. وهكذا فقد لفت انتباه مؤرخي الأدب والباحثين إلى الشاعرات والكاتبات اللاتي عشن في مصر، والذي يتم مناقشته بالتفصيل لأول مرة. أما الجزء الثاني فهو رسم الإطار التاريخي للمكانة التركية في مجال التعليم والخدمة العسكرية، وهو مفتاح محاولات محمد علي باشا الحداثية، وشرح بدايتها وتطورها ونهايتها، الكتب المدرسية التركية التي تدرس باللغة المصرية بالمدارس، التعليم التركي في السودان، الأدب العسكري التركي المصري، حركة الترجمة في تركيا، مكانة اللغة التركية وأهميتها في هذه الحركة، وتقييم الترجمات من اللغات الشرقية والغربية.
والعنوان الثالث هو التقييم العام للكتب التركية المطبوعة في مصر، أولاً، دار طباعة بولاق وطباعة الكتب التركية لدار طباعة بولاق في فترة محمد علي باشا، وفي الفترة التي تلت السلطان الثاني مباشرة. ويتضمن الكتب التي صدرت في مصر في عهد عبد الحميد (1876-1909)، ومنشورات الأتراك الشباب وغيرهم من المعارضين السياسيين، ولمحة عامة عن الكتب التي صدرت في القرن العشرين.
ويتناول الجزء الثاني من الكتاب الذي يحمل عنوان طباعة الكتب التركية في مصر، الموضوع الذي يشكل نقطة الانطلاق لهذا الكتاب، أي دار طباعة بولاق (التي أنشئت بأمر من محمد علي باشا)، والتي يمكن مشاهدتها باعتبارها حجر الزاوية الثاني في تاريخ الطباعة التركية غير المكتوب بعد بعد دار طباعة موتيفريكا (1729. 1822) وطباعة الكتب التركية التي بدأت معها.